يقول علماء الأصول: "الحُكم على الشيء فَرع من تصوُّره"، بمعنى أنني لا أستطيع أن أَحكُم على أمْر من الأمور دون أن أتصوَّره أو أفهمه. ولذلك؛ فلا حُكْم على الشيعة دون أن تَعْرفهم، ولا معنى للإدلاء بالرأي في قضية التقريب بين السنة والشيعة دون إدراك طبيعة كُلٍّ من الطرفين. وقبل أن نتطوع بانتقاد المهاجمين أو المدافعين عن الشيعة، لا بد أن نَفهم أولًا مَن هم الشيعة؟ وما جذورهم؟ وما الخلفية العقائدية والفقهية لهم؟ وما تاريخهم؟ وما واقعهم؟ وما أهدافهم وأحلامهم؟ وعندها نستطيع أن نقول رأينا على بصيرة. وكم من الناس غَيَّروا تمامًا من آرائهم، وتنازلوا عن كثير من أفكارهم بعد أن وصَلتهم المعلومة الصحيحة والرؤية الواضحة؛ فهناك مسألة حزب الله، وهناك مسألة الحُكم في (إيران)، ومسألة التراشق بالألفاظ بين (أمريكا) و (إيران)، ومسألة الحوثيين في (اليمن)، كل هذه القضايا نَسْمع أخبارها كل يوم، ولن نستطيع أن نتعامل معها دون عِلم ودراية بمسألة الشيعة؛ لذلك جَمَعْتُ هذه المقالات وأخرجتُها في هذا الكتاب، الذي كان الهدف منه هو إطْلاع القارئ على رؤيتي في هذه المسألة، وإن كان الأمر -لا شك -يحتاج إلى تفصيل أكثر وأكثر.
الشيعة ينتسبون في الأصل إلى (الحسين) -رضي الله عنه -، وهذا رأي وجيه جدًا؛ فقد خرج (الحسين) على خلافة (یزید بن معاوية)، واتجه إلى (العراق) بعد أن دعاه فريق من أهلها إليها، ووعدوه بالنصرة، ولكنهم تخلوا عنه في اللحظات الأخيرة. وانتهى الأمر باستشهاد (الحسين) في (كربلاء)؛ فندمت المجموعة التي قامت باستدعائه، وقرروا التكفير عن ذنوبهم بالخروج على الدولة الأموية، وحدث هذا الخروج بالفعل، وقُتِل منهم عدد، وعُرف هؤلاء بالشيعة. وهذا يفسر لنا أن شدة ارتباط الشيعة بـِِِ (الحسين بن علي) معلن عنها أكثر من (علي بن أبي طالب) نفسه، وهم يحتفلون بذكرى استشهاد (الحسين) ، ولا يحتفلون بذكرى استشهاد (علي بن أبي طالب).
ومع ذلك، فنشأة هذه الفرقة لم تكن تعني إلا نشوء فرقة سياسية تعترض على الحكم الأموي، وتناصر فكرة الخروج عليه، ولم يكن لها مبادئ عقائدية أو مذاهب فقهية مختلفة عن أهل السنة، بل إننا نرى أن القادة الأوائل -الذين يزعم الشيعة أنهم الأئمة الأوائل -ما هم إلا رجال من السنة، يتكلمون بكل عقائد ومبادئ السنة.
لقد قام (زید بن علي) بالخروج على الخلافة الأموية مكرِّرًا تجربة جده (الحسين بن علي)، وذلك في زمان (هشام بن عبد الملك)، وانتهى الأمر بقتله (سنة ۱۲۲هـ)، وقام أتباعه بتأسيس مذهب على أفكاره عُرِف في التاريخ بـِِِ (الزيدية) نسبة إليه. وهذا المذهب وإن كان محسوبًا على الشيعة؛ إلا أنه يتفق مع السنة في كل شيء إلا في تفضيل (عليّ) على الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، وأتباع هذا المذهب منتشرون في (اليمن)، وهم أقرب الشيعة للسنة، وتكاد لا تفرقهم عن السنة في معظم الأحوال، واستمرت ثورات الشيعة تباعًا.
عند وفاة (الحسن العسكري) سنة (۲۹۰هـ) الذي كان أحد الثوار للخروج على الدولة؛ وقع هؤلاء الثوريون في حيرة كبيرة، فمَن هذا الذي يتولى أمرهم؟ وقد تَرك (الحسن العسكري) طفلًا صغيرًا، ثم زاد الأمر اضطرابًا عندما توفي هذا الطفل الصغير هو الآخَر فجأة؛ لتنقسم هذه المجموعات الثورية إلى فرق كثيرة تختلف بعضها عن بعض في المبادئ والأفكار، بل في الشرائع والمعتقدات. وكان من أشهر هذه الفرق التي ظهرت: (الاثني عشرية)، وهي الفرقة الموجودة الآن في (إيران) و (العراق) و (لبنان)، وهي أكبر فرق الشيعة، كما ظهرت فرق أخرى مثل (الإسماعيلية) و (القرامطة)، وهي فرق شديدة الانحراف في العقيدة والسلوك.
القرن الرابع الهجري كان قرنًا شيعيًا خالصًا؛ فقد سيطر الشيعة البُوَيْهيون على أجزاء من (إيران) وعلى (العراق) بكاملها، وسيطر (السامانيون) على شرق (إيران) وأجزاء من (أفغانستان) وشرق العالم الإسلامي، وسيطر (الحمدانيون) على أجزاء من (الموصل) و (حلب)، کما سيطر (القرامطة) على شرق الجزيرة العربية، ووصلوا أحيانًا إلى (الحجاز)، بل إلى (دمشق)، وكذلك (اليمن). أما الدولة العبيدية (المسماة زورًا بالفاطمية) فقد توحشت واحتلت كل الدول الإسلامية في (إفريقيا)، بل أضافت إلى ذلك (فلسطين) و (سوريا) و (لبنان).
في نهاية القرن الرابع الهجري، زالت دولة القرامطة. وفي منتصف القرن الخامس الهجري، زالت دولة بني بُوَيْه (447هـ)، أما الإسماعيلية العُبَيْدِيُّون؛ فقد استمروا إلى منتصف القرن السادس الهجري (567هـ). وبذلك عاد العالم الإسلامي سُنيًا في الحكم في كل مناطقه، وإن ظلت الدعوة الاثني عشرية موجودة في مناطق (فارس) وأجزاء من (العراق)، وبقي الوضع على هذه الحال إلى سنة (۹۰۷ هـ)؛ حتى قام (إسماعيل الصفوي) بتأسيس الدولة الصفوية الشيعية الاثني عشرية في (إيران) نسبة إلى جدهم الأكبر (صفي الدين الأردبیلي)، وهو من أصل فارسي، وتوفي (۷۲۹هـ). وقد توسعت هذه الدولة، واتخذت (تبریز) عاصمة لها، ودخلت في صراع شرس مع الدولة العثمانية السنية المجاورة. وتحالف الصفويون مع البرتغاليين لضرب العثمانيين، واحتلوا أجزاءً من (العراق) التابعة للعثمانيين، وبدءوا في نشر المذهب الشيعي هناك، لولا أن السلطان (سليم الأول) التقى معهم في موقعة فاصلة شهيرة في التاريخ هي موقعة (جالديران سنة ۹۲۰هـ)، وحَقَّق نصرًا كبيرًا عليهم، وطردهم من (العراق).
مرت الأيام والصراع دائر بين الصفويين والعثمانيين، ومحوره في معظم الأوقات أرض (العراق)، واستمر هذا الوضع أكثر من قرنين من الزمان؛ حيث حَكَمت الدولة الصفوية (إيران) من (سنة ۹۰۷هـ إلى سنة 1108 هـ)؛ حيث سَقطت (هذا السقوط للصفويين كان في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي سنة 1735 م)؛ ومن ثم قامت (إيران) إلى عدة مناطق تَقَاتَل عليها العثمانيون والروس والأفغان وقادة جيش (عباس الثالث) آخر السلاطين الصفويين.
دخلت الدولة العثمانية في طور ضعفها، وتكالب عليها الأوروبيون والروس، وكان من جراء ذلك أن ضعفت قبضتها على مناطق غرب (إيران)، وتناوب على حكم هذه المنطقة حكام كُثُر، كانوا يدينون دائمًا بالولاء للقادة الغربيين؛ فمرة للإنجليز -القريبين في الهند وباكستان -، ومرة للفرنسيين، ومرة للروس.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان